حرصت وزارة الثقافة على شراء وثائق تاريخية نادرة يعود بعضها إلى فترة ما قبل الاحتلال الفرنسي، وخلال مزاد علني أقامته دار متخصصة بمدينة تولوز الفرنسية، دفعت الوزارة 94 ألف يورو مقابل كتب وخرائط وصور ومخطوطات يصل عددها إلى 600 قطعة.
وبقدر ما لقيت الخطوة ترحيبا في الأوساط الثقافية وحتى السياسية في الجزائر، بقدر ما أثارت من أسئلة حول مصير الأرشيف الذي لا يزال تحتفظ بها السلطات الفرنسية، والذي جرى ترحيله طيلة 132 سنة من احتلال الجزائر، وتحول إلى ملكية فرنسية. ولم يتم حتى الآن حل هذا الإشكال في ظل شكوك الباحثين الجزائريين في جدية الطرف الرسمي الجزائري في الضغط على باريس لاسترجاع جزء من ذاكرة البلاد.
من جهته، يرى الأمين بلغيب الأستاذ بكلية التاريخ بجامعة الجزائر أن الجزائر أولى بالوثائق التي تم شراؤها من أي طرف آخر، خاصة أنها تتعلق بتراث مسروق، رغم أن فرنسا تسميه "الأرشيف المحول"، وتعدّه جزءا لا يتجزأ من "الغنائم".
وأوضح أن من بين 600 وثيقة التي تمت استعادتها كتبا نادرة، ودراسات وأعمالا ووثائق تعود للعهد العثماني وبداية الاحتلال الفرنسي، متمنيا ألا يكون مصيرها مثل الأرشيف الموجود في العاصمة الذي تعرض جزء منه للتلف.من جانبه، يقول مدير المركز الوطني للأرشيف عبد المجيد شيخي إن القاعدة العامة تفيد بأن ما أخذ يجب أن يعود، مثلما تنص على ذلك اتفاقات دولية، "لكن السلطات الفرنسية تنظر إلى الجزائر نظرة أخرى، ولم تحدد حتى الآن موقفا واضحا بالنسبة للأرشيف الذي رحلته".
ويؤكد شيخي أن السلطات الفرنسية تعتقد أن الأرشيف الإداري "من حق الجزائر استرجاعه، لكنها إلى اليوم لم ترجع منه إلا النزر اليسير، وتريد ترك هذا الأرشيف لمنطق الهبة التي تمنحها بين الحين والآخر، وهذا هو أساس الخلاف حيث يكون على الجزائر أن تنتظر المزاج الفرنسي كي يهديها ما تملكه"..
أما المؤرخ محمد أرزقي فراد فيتمنى أن تكون هناك مفاوضات مع بلدان أخرى "تملك كمًّا مهما من تراثنا"، مضيفا أن هناك الكثير من الرحالة الأجانب الذين جابوا الجزائر خلال القرنين 18 و19 واشتروا وثائق مهمة وتاريخية، وهي موجودة حاليا في المكتبات الغربية. كما يقترح أن تضع وزارة الثقافة خطة لاسترجاعها عن طريق المفاوضات أو الشراء في المزاد العلني، وانتقد أرزقي موقف الحكومات الجزائرية من الملف، نافيا وجود مفاوضات مع فرنسا لاستعادة الأرشيف؛ "لغياب الإرادة السياسية لدى الدولة الجزائرية".
